محمود حسين ولجين الهذلول حرّان طليقان، يا للمفاجأة السارة، ويا للمصادفة الغريبة!
«أم الدنيا» تفرج عن صحافي «الجزيرة» بعد أربع سنوات من الاعتقال التعسفي في السجن الاحتياطي بدون تهمة ولا محاكمة.
و«بلاد الحرمين الشريفين» تفرج عن الناشطة السعودية الشهيرة بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، لا ذنب لها سوى أنها انخرطت في حملة القيادة النسائية للسيارات، فأُلبِسَتْ تهمة التحريض على تغيير النظام وخدمة جهات أجنبية.
الحدثان معًا حديث الساعة في العديد من القنوات التلفزيونية العربية والعالمية، والكلّ يسجّل هذا التزامن الغريب للإفراج عن الإسمين معا في بلدين معروفين بتشددهما إزاء كل الأصوات الحرة المعارضة.
اختلفت الآراء، وتعددت التحليلات حول أسباب الإفراج:
مِن المحللين مَن ربط ذلك بمجيء الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ومطالبته حلفاءه العرب التقليديين، خاصة السعودية ومصر، باحترام حقوق الإنسان.
ومنهم مَن جعل ذلك إحدى ثمرات المصالحة الخليجية التي جرت في قمّة «العُلا».
أما المُدافعون عن الأنظمة المستبدّة، فتحدّثوا عن استقلال القضاء وحياد العدالة، وهي أسطوانة باتت مشروخة ومفضوحة لدى العادي والبادي.
في برنامج «مصر النهار ده» على قناة «مكملين» المُعارِضة لنظام السيسي التي تُبثّ انطلاقًا من تركيا، اعتبر الإعلاميّ محمد ناصر أن بركات «العم بايدن» أعطت مفعولها السحري، فأُطلق سراح محمود حسين في مصر وسناء الهذلول في السعودية.
انتقلنا إلى قناة «فرانس 24» الناطقة بالعربية، فوجدناها تخصص «وقفة مع الحدث» لخبر إطلاق سراح الناشطة السعودية لجين الهذلول؛ وكان التحليل للإعلاميّ خالد الغرابلي، الذي أشار إلى أن الإفراج جاء بعد أقل من شهر على تنصيب جو بايدن، وأيضا بعد تعليق بايدن نفسه على الواقعة نفسها، مما يعطي الانطباع بأن الموضوع سياسي، بينما يعطيه حكم المحكمة صبغة قضائية.
ويرى المحلل ذاته أن واقع الحال يُفنّد حصر القضية في جانب العدالة فقط، ليخلص إلى التأكيد أنها قضية سياسية بالدرجة الأولى، لافتا الانتباه إلى أن لجين واحدة من عشرات المعتقلات في السجون السعودية، حسب تقديرات المنظمات الحقوقية التي تعتبر أن ما حدث مع لجين هو استهداف للتيار النسوي في السعودية، كما أن هناك معارضين آخرين يوجدون في سجون محمد بن سلمان، بجانب معارضين آخرين مُستقرّين في الخارج يتعرضون باستمرار للتهديدات. وفي هذا الصدد، ذكّر الإعلامي الغرابلي بما وقع للكاتب جمال خاشقجي من جريمة بشعة على أيدي مُقرّبين من النظام السعودي.
أهي فعلاً «بركات الشيخ» جو بايدن وكراماته؟
هدية معتز مطر لأشرف السعد!
لمعتز مطر جواب آخر على هذا الموضوع، فلا ضغوط بايدن كانت السبب، ولا تأثير المصالحة الخليجية، ولا العدالة «المستقلة».
بكلام مفعم بروح الإيمان، ردد الإعلاميّ الشهير في قناة «الشرق» المعارضة المبثوثة هي الأخرى من تركيا: «بفضل الله وحده، خرج محمود حسين. الله غالب على أمره. عاد محمود إلى أسرته وإلى أهل قريته الذين قيل لهم من قبل إنه إرهابي، وشُوّهتْ سمعته ولُفّقت له تهمٌ كاذبة، وسُجن أربع سنين عددًا.
ظلّ محمود في سجن احتياطي مفتوح بلا نهاية، وكان واحدًا من بين عشرات الآلاف الذين طُبّق عليهم ذلك. لا لشيء سوى لكونه رجع من قطر لرؤية أسرته الصغيرة.
هناك من دافع عن اعتقال صحافي «الجزيرة» بذريعة واهية اسمها «استقلال القضاء» مثلما فعل رجل الأعمال أشرف السعد، الذي أطلق تحدّيًا بأنه لن يُفرَج عن محمود حسين مطلقًا، ونعق على «توتير» نعيق البوم، مُردّدًا: «أنا مش هاتحدّى بايدن وأقوله رجّع الإخوان مرة ثانية، لا وألف لا، أنا فقط ها اقوله: فيه صحافي يعمل في قناة الجزيرة اسمه محمود حسين قابع في السجون المصرية منذ أكثر من ثلاث سنوات تقريبا، فلو راجل بصحيح قول للرئيس السيسي يفرج عنه ولو قدر يعملها هاقفل حسابي واحط جزمة في بقي وأخرس خالص».
حين قرأ معتز مطر هذا التدوينة، وبثها مُصوّرة في برنامجه، منذ يومين، رفع حذاءه موجّها الكلام لأشرف السعد، وقال له: إذا كنت فعلا رجلا خذ حذائي وضعه في فمك، وأقفل حسابك على «تويتر» فورا، فمحمود حسين الآن في حضن أهله وأولاده، بعدما كان مسجونا مثل عشرات الآلاف من المعتقلين ظُلمًا.
ووجّه عبارات سباب لاذعة في حقّ صاحب التحدي المعروف بأنه يكيل المديح للسيسي آناء الليل وأطراف النهار. ومع ذلك، فأشرف السعد لم يغلق حسابه، إذ واصل تملّقه سيّده، حيث كتب تغريدة، قال فيها إن الحاكم العربي حين يأتي عن طريق صناديق الانتخابات، ويكون الشعب هو الذي انتخبه، فإنه يبقى مثل الإله المصنوع من الحلوى، يصنعه الناس ويسجدون له، وحين يغضبون يأكلونه. لكن، حين يأتي الحاكم عن طريق الجيش والشرطة، تبقى له هيبة، لأن الجيوش هي يد الله في الأرض يعزّ بها من يشاء ويذلّ بها من يشاء» !
«أقطاب التعريض»!
الإفراج عن محمود حسين جاء بعد أسبوع من بثّ حلقة تلفزيونية ظهر فيها الإعلامي معتز عبد الفتاح الموالي لنظام السيسي، وهو يتساءل عن سبب استمرار اعتقال محمود حسين.
وقال: «لو نظرت إلى الشريط الذي تبثه الجزيرة أسفل الشاشة، بالعربية والإنكليزية، ستجد محمود حسين يتكرر يوميا باستمرار منذ أربع سنوات».
معتز مطر لدى تطرقه إلى هذا الأمر، نفى أن يكون صدفة أن يأتي الإفراج عن صحافي «الجزيرة» منذ أسبوع فقط، على لقاء تلفزيوني لأقطاب «التعريض» في مصر، حيث ظهر معتز عبد الفتاح يمهد للموضوع بكلامه السابق.
ما حدث، يقول نجم قناة «الشرق» لا علاقة له بـ«مصر لن تركع» ولا ببايدن، ولا بالمصالحة الخليجية، ولا بالقضاء «الشامخ» و«المستقل». إنها إرادة الله تعالى.
نادرًا ما يُغرّد معتز مطر على «تويتر» فكثرة الكلام في التلفزيون لا يترك له المجال للكتابة، كما قال هو نفسه. لكنه كتب هذه المرة ردًّا على مَن قال إن إطلاق سراح محمود حسين جاء متساوقا مع المصالحة الخليجية في قمة العلا، كتب في التدوينة: «إذنْ، لم يكن اعتقاله إلا إجرامًا وفجورًا بلا جريرة، حاله حال العشرات الآلاف من المعتقلين. إذن، لا قضاء شامخ ولا عدل، لكن اتساقا مع نظام مجرم تدفعه أنظمة مجرمة تدار بالعصا الأمريكية الصهيونية. إذن، لا جديد تحت الشمس. حمدا لله. ذهب الأسر وبقي الأجر».
مشهد أخير
وهو يتحدث عن أوضاع الناس المقهورين في مصر، دعانا محمد ناصر إلى التأمل في فيديو يظهر فيه الإعلامي الشهير محمود سعد يحاور بالصوت والصورة مواطنة بسيطة في الشارع العام، كانت تحدث عن معاناتها مع البطالة، فقالت في ختام كلامها إنها لا تستطيع أن تتحدث أكثر، لأن لسانها سيجرّ عليها الويلات: «مش هكمل… غلط عليّ»… فردّ عليها محمود حسين: «وعليّ كمان». الرجل يدرك أنه إذا فتح فمه يُعتقل في الحال!